مختصر فصل العلويين في سوريا: التاريخ، الحاضر ،المستقبل. من كتاب دراسات الحركات و الطوائف للباحث محمد العواودة

 مختصر فصل (العلويين في سوريا: التاريخ، الحاضر ،المستقبل)

 عدد صفحات الفصل 24 صفحة . 

من كتاب دراسات الحركات و الطوائف \  للباحث: محمد العواودة

- 565 صفحة.



1-الأصول التاريخية للعلويين: 

في القرن الثالث الهجري ظهرت فرق شيعية إمامية (باطنية)، ويُنسب لها العلويين (النصيريين).

وتقوم أيدلوجيتها على تأليه الإمام علي وأولاده وأحفاده من بعده. وتأسست هذه الطائفة على يد أبو شعيب محمد بن نصير النميري (270 ه) وقد عاصر المذكور ثلاثا من أئمة الشيعة-الإمام العاشر و الحادي عشر والثاني عشر ، ويرى أهل هذه الطائفة أنه هو الباب إلى الإمام (الحادي عشر الحسن العسكري) وأنه وارث علمه والحجة والمرجع للشيعة من بعده ، وأن صفة المرجعية والبابية قد بقيت معه بعد غياب الإمام المهدي(إمامهم الثاني عشر).


في كتاب (الملل والنحل) لأبو الفتح محمد الشهرستاني يبين غلو هذه الطائفة في تأليه الأئمة، من خلال اعتناقهم  أفكار فلسفية استنادا على القاعدة التالية:(أنه جاز ظهور الروحاني بالجسماني) ..(أي ظهور جبريل عليه السلام ببعض الأشخاص وتمثله بصورة بشر .. وكذلك الشيطان وكذلك الجن، فإنهم يقولون -أستغفر الله- بجواز ظهور الله تبارك وتعالى علوا كبيرا عن ذلك بصورة أشخاص، وقد حل في علي وأولاده، ويرون أن هذا الاختصاص اختصاص إلهي يتعلق ببواطن الأمور.

والنصيريين أيضا يعتقدون بشراكة علي كرم الله وجهه في رسالة محمد صلى الله عليه وسلم (ولا فرق بينهما إلا أن الثاني لاحق والأول سابق).

توالت الأئمة على هذه الطائفة منذ القرن الثالث الهجري، وعاشوا في كنف الدولة الحمدانية بحلب ، وتأسست الدولة النصيرية وكان لهم مركزين في حلب وفي بغداد وانقرض المركز الأخير بعد حملة هولاكو على بغداد وانتقل مركز حلب إلى اللاذقية.

في القرن الرابع عشر الهجري اتهم شيخ الإسلام ابن تيمية العلويين بالكفر وأفتى بمروقهم من دين الإسلام.

وكان غالب  النصيريين يعيشون  في مناطق شمال لبنان وفي القرى الجبلية في مناطق لواء الإسكندرون. اشتدت بعد ذلك هجمات الأتراك والأكراد على النصيريين فاستنجدوا بالأمير العلوي حسين المكزون السنجاري -ق6و7ه- ، فأرسى قواعد هذا المذهب في جبال اللاذقية والتي أصبحت الموطن التقليدي الدائم لهم فيما بعد.

سرّية المذاهب الباطنية تجعل الناظر إليها يراها عقائد تميل إلى المسيحية أو الفارسية أو الوثنية، وتبقى مغلقة عن المذاهب الإسلامية الباقية وحتى الشيعية.

في سنوات الاحتلال الفرنسي أصبح اسم العلويين هو الاسم الذي يطلق على هذه الطائفة في سوريا وحصلوا عام 22 م على دويلة مستقلة اتخذت من اللاذقية عاصمة لها، بعد تقسيم سوريا إلى عدة أقاليم على يد الفرنسيين ، ثم عادت إلى وسوريا عام 39 م -بعد الاحتجاجات الشعبية آن ذاك، وتوقيع اتفاق بين سوريا وفرنسا-..

وثار جدل خلال توقيع هذا الاتفاق عن كون هذه الطائفة تنتمي إلى الإسلام أو لا ، فاصدر العلويون وثيقة في هذا العام يؤكدون فيها على هويتهم العربية والإسلامية، مستعينين بشيخ القدس أمين الحسيني الذي أصدر فتوى بتأييد ذلك وهي الفتوى الأولى من نوعها.

بعد تولي حافظ الأسد للرئاسة عام 71 م بدأت محاولة الأسلمة لهذه الطائفة لتقبل العلويين كطائفة ضمن طوائف الشيعة الاثني عشر، فقد كانت العديد من مصادر الشيعة تفتي بكفر النصيريين، وكان من ضمن هذه الإجراءات استقدام رجال دين من لبنان من أجل الوعظ في القرى العلوية السورية، وإرسال عدد من الطلبة للدراسة في مؤسسات دينية في إيران ، ودعم رسمي لإصدار عدد من الكتب التي تؤيد هذا المنحنى ..


2-أماكن وجود العلويين وأعدادهم في سوريا:

نشرت دراسة إحصائية عام 1984 م أشارت إلى أن عدد العلويين في سوريا يقارب ما نسبته 11.5%  و 0.4 % شيعة اثنى عشرية وبذلك يكون عدد العلويين والإسماعيليين و الشيعة نحو 2.2 مليون نسمة، وبذلك يعتبرون أكبر الأقليات الدينية.

والجدير بالذكر أن العلويين في سوريا ينقسمون إلى قسمين علويين تقليديين يمثلون أكثر من 70%  ومرشديون يمثلون الباقي ..

ويتركز وجودهم في جبل العلويين أو جبل اللاذقية، وهي سلسلة جبال تفصل الساحل السوري عن داخله تمتد في غربي أربع محافظات وهي: اللاذقية، طرطوس، حمص، وحماة ويتواجدون في مدن أخرى في قرى متناثرة مثل المزة بدمشق وغربي إدلب، والقسم المحتل من الجولان في قرية الغجر..


3-العلويين السوريين وعلاقتهم بالعلويين في تركيا ولبنان:

-تركيا:

تعرض العلويون عبر التاريخ إلى الإقصاء والتصفية في بعض الأحيان في تركيا بسبب مواقفهم السياسية ،وسعت تركيا للانتقام منهم بسبب دعمهم للحروب الصفوية. وفي عام 1937 م حصلت مذبحة (دارسين) بزعامة أتاتورك بحجة انهم معارضة مسلحة ثم مجزرة (داماك) عام 1991م.

الجدير بالذكر أن عدد العلويين في تركيا يبلغ 14 مليون نسمة ، ينقسمون إلى عرب موجودون معظمهم في لواء الإسكندرون وهم يعتبرون امتدادا لسوريا. والقسم الثاني هم علوي الاناضول الذين يتوزعون بين أكراد وأتراك بنسبة 35% من مجموع العلويين.

وهناك اختلاف كبير بين علوي سوريا وعلوي تركيا وذلك في انتماءاتهم العقدية ومسالكهم الدينية.

فبينما تواصل علويو سوريا مع إيران على أعقاب الثورة ،ونشرت دعاية إيرانية تؤكد على أنهم شيعة أملا في تبرير دعم النظام العلوي في دمشق..

نجد أن عقيدة العلويين في إيران هي تفسير فضفاض للإسلام ممزوجا بالصوفية، وتكن الاحترام إلى بعض التقاليد الدينية القائمة قبل الإسلام كالتقاليد المسيحية والشامانية. وتفتقر إلى التقاليد المكتوبة التي تؤكد ممارسة الطقوس الدينية. أما في مجال العبادات فهم لا يطبقون أركان الإسلام الخمس أصلا ولهم دور للعبادة تسمى (بيت الجمع). وهم يعترفون برسول الله صلى الله عليه وسلم ويبجلون علي ولكن بالطريقة البكتاشية الصوفية بالرقص المختلط والمظاهر الوثنية.

وإن وجدنا معض الكتابات المتهافتة لوضع سناريوهات تعاون علوي تركي سوري بعد الثورة السورية، فإن علويي تركيا على العكس تماما من علويي سوريا المسيسين فليس لهم أي أمل في ممارسة العمل السياسي وليس لهم مناصب رفيعة في الجيش والدولة.


- لبنان:

يقدر تعداد الطائفة العلوية في لبنان من 65-100 ألف نسمة يتمركز 60% منهم في جبل محسن في طرابلس وتجمعات متناثرة في بلدات أخرى.

والجدير بالذكر أن هذه الطائفة رفضت جهود تشييع إمام الشيعة اللبنانيين موسى الصدر في سبعينيات القرن المنصرم، وتعرف نفسها أنها طائفة شيعية اثني عشرية تحتكم في شؤونها الدينية والفقهية للمذهب الجعفري، ولها مذهب خاص علوي.

تم الاعتراف بهذه الطائفة رسميا في لبنان وإعطاءها حق تنظيم شؤونها الدينية وأوقافها  ومؤسساتها الخيرية ونسبة في التمثيل البرلماني وسمح لأبناء الطائفة بدخول الجيش اللبناني والعديد من الوظائف الأخرى..

لم يمنع ولاء علويي لبنان المطلق لنظام حزب البعث منذ قيامه ظهور بعض الرؤوس الفردية المعادية له منهم.

كما أن النظام السوري وقف بجانب علوي لبنان أيضا في العديد من المواقف وأبرزها دعم حافظ لأسد عام 76 م لعلويي جبل محسن عندما حصل انفصال بين السوريين والفلسطينيين. وبرز الحزب العربي الديموقراطي في هذا الجانب والذي أعلن أمينه العام (أن العلويين مستعدين للقتال حتى النهاية دفاعا عن بشار الأسد).

ورفض العلويون حسابهم في جبهة حزب الله إلا أن مسار الأحداث يؤكد على تأثر المشهد الشيعي بشكل عام والعلوي بشكل خاص بحزب الله.


4-العلويون في سوريا بعد الاستقلال:

وجد الاحتلال الأوروبي ثغرة العلاقات العلوية بالدولة العثمانية التي كانت تاريخ اضطهاد وعلى مبدأ (فرق تسد) وبحجة حماية الأقليات، أعطت فرنسا حكما ذاتيا للعلويين كما سبق الذكر في عشرينيات وثلاثينيات القرن المنصرم والتي امتدت من تركيا حتى لبنان.

كما شجعوهم للانضمام إلى المؤسسات العسكرية لموازنة قواهم بالقوى السنية. ومع مرور الوقت تمكنوا من السيطرة على الجيش واستطاعوا عبر الانقلابات في ستينيات القرن الماضي الاستحواذ على السلطة. وترسخ وجودها في سوريا بعد استقرار حافظ الأسد على كرسي الرئاسة عام 71، وكان بذلك الاستقطاب الغفير لأبناء هذه الطائفة للعمل في شتى المفاصل الأمنية في الدولة.

فجند أبناء العشائر العلوية في فرق النخب العسكرية وأوكل إليهم مهمة حماية القصور الرئاسية والمباني الحكومية وأماكن المسؤولين ونشروا في العديد من المناطق وعلى مداخل دمشق ومحيطها وكان أغلبهم من عشيرة المتاورة التي ينتمي إليها حافظ الأسد. ويتم تقسيم هذه العشائر في الوظائف والمناصب حسب ثقة الأسد بهم واستبعد عشيرة الكلبية التي لم تظهر الولاء للنظام.

وحتى في الجوانب الأخرى وفي جميع القطاعات الاستراتيجية كانت المصاهرة والانتماء العشائري عنصرا أساسيا في تولي المناصب المهمة.

ولم يكتفي الأسد الأب بذلك بل وضع مكونات المجتمع في مواجهة بعضها البعض عبر التسيس الطائفي لمسألة الأقليات، وصور نفسه كمسؤول عن بقاء الدولة والحامي لها. واستغل وجود بعض الأقليات الأخرى ووسع التحالف الطبقي الاقتصادي مع الطبقة البرجوازية في حلب ودمشق لاستمرار الاستحواذ على مصادر وأدوات السلطة والثروة في سوريا.


في العقود الثلاث الأخيرة كان التواجد الإيراني الشيعي هو المسيطر على الدعم الرسمي إذ تتحدث المصادر عن تشييع قبائل بأكملها وإقامة المآتم وتشييد المكتبات والحسينيات وإنفاق المبالغ الطائلة وإقامة المحاضرات واستضافة ملالي إيران ومقاومو حزب الله وتوزيع الكتب بدعم مباشر من كبار ضباط الاستخبارات السورية ..

وعلى إطار آخر نسج النظام علاقاته الخارجية مع الدول متجاوزا الخلفية الطائفية ، مستفيدا من موقعه في الصراعات والملفات الإقليمية باستخدام شعارات ايدلوجية، وبهذا يكون النظام السوري قد وضع الطائفة العلوية في مكان مميز في قلب الجغرافيا الاجتماعية لسوريا.

وبالطلع فلا يعني هذا أن العلويين كتلة واحدة خلف النظام فهناك طيف ليس بالهين مضاد له إضافة إلى المنافسة والانشقاقات المستمرة..


5-مستقبل العلويين في سوريا:

من خلال سياسات الأسد الأب البراغماتية مع خصومه الداخليين والإقليميين والدوليين القائمة على التناقضات والرهان وجمعه لعلاقات مع دول الخليج وإيران في واجهة واحدة أعطى نوعا من الاستقرار للنظام والطائفة على مدى ثلاثة عقود.

بينما كانت سياسات الأسد الابن مختلفة تماما فقد قاد القطر على أساس ولاء ديني ورهان على إيران لتكوين حلف الممانعة على أساس المصير الديني المشترك مدعوما بالمصالح الروسية في المنطقة، الامر الذي أفرز بشكل غير مباشر حلفا سنيا أكثر تشددا بالنظر إلى موضوع التشييع ومدعوما بالمصالح الأمريكية في المنطقة.

وتأسيسا على ما تقدم -حسب الكاتب- يمكن الاعتبار في الصراع السوري القائم أن حركة الاحتجاج السوري قامت في سياق مقاومة أمريكية لتدمير حلف الممانعة ولحماية إسرائيل، والذي يقرن بحصار إيران والتضييق على حزب الله، وهذه حجة للإعلام الرسمي السوري الذي يضع إسرائيل والتكفيريين (الوهابية الجهادية) في كفة واحدة.

والتفسير الثاني لقيام المعارضة السورية هو المطالبة بالحرية وتغيير النظام سلميا، ووضع حد للإقصاء السياسي الطائفي، واستحواذ الأقلية العلوية على السلطة تساوقا مع الجو العام للربيع العربي بعفوية الشباب الصغار.

ويستطرد الكاتب قائلا: بغض النظر عن تحليلنا الخاص فإن تطور أحداث المشهد أصبح له تفسيره الخاص ونتلمس ذلك من خلال حجم الضرر الهائل الذي ألحق بالمناطق السنية بالقصف بالبراميل وصواريخ السكود والحمم دون رحمة، ومعركة القصير ودخول حزب الله بدعم إراني عراقي، ومخرجات مؤتمر العلماء المسلمين بالقاهرة التي أفتت من خلال استدعاء فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية بقتال النظام ومقاومته.

وهذا قسم عمليا الفرق على أسس طائفية: سنة وشيعة علويين.

وبهذا يستند مستقبل هذه الطائفة إلى معايير الربح والخسارة. فإن ربحوا فسيتم تعزيز موقفهم وتمكينهم مجددا وعلى أسس طائفية واضحة هذه المرة، وتوسع عمليات الانتقام من أهل السنة، واستمرار حلف الممانعة من المضي قدما في أحلامه. وفي حالة خسارته فلا يمكن التنبؤ بمستقبلهم ولا يمكن الجزم ببقائهم إن لم تكن هناك ضمانات دولية..


(تم بحمد الله). 

 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

كتب ينصح بها لطلبة العلوم الشرعية