ملخص من كتاب وقفة مع الفلسفة الغربية: (كارل ماركس) د. محمد الزيني

 





عدد الأوراق الملخص منها: 19.

عدد أوراق التلخيص:8.

تمهيد:

كارل ماركس هو مؤسس الحركة الاشتراكية، وصاحب المذهب المادي واسع الانتشار والذي كان في أوائل القرن العشرين الميلادي أحد أهم المذاهب الاقتصادية العالمية المنافسة للقوى الرأسمالية الغربية.

وانتشر النظام الرأسمالي في الدول العربية، بعد الاستقرار من الاستعمار في الأربعينيات فصاعدا.

والمذاهب الأربعة الأكثر انتشارا في العالم هي: المثالية في ألمانيا، الوجودية في فرنسا، المنطقية في إنجلترا، والبرجماتية في أمريكا.

كانت فلسفة (نتشة) فتنة للشباب، أما فلسفة ماركس فقد فتنت المفكرين والحكومات والشعوب خاصة الفقيرة التي تتوق إلى الحرية والتنعم في الحياة.

ولم تتراجع فلسفة (كارل ماركس) إلا عام (1985 م) مع صعود (ميخائيل جورباتشوف) إلى السلطة، وكذلك ثارت الشعوب في أوروبا الشرقية (بولندا- المجر- رومانيا- بلغاريا- يوغسلافيا- تشيكوسلوفاكيا) التي رفضت فلسفة ماركس وطالبت بالفلسفة الرأسمالية الديموقراطية.

أصبحت بعد ذلك فلسفة ماركس فلسفة تاريخية وتوارت في بطون الكتب وانتهت بالرفض من قبل أتباعها لأسباب كامنة فيها، فنقضت النظرية من أساسها لأنها أنكرت حرية الإنسان وحقه في الملكية وتمردت على قوانين الطبيعة وتنكرت لحقيقة وجود الخالق ﷻ ونواميسه في الكون.

 

 

 

 

 

نبذة عن حياة كارل ماركس:

ولد ماركس في ألمانيا عام (1818 م) لأبوين يهوديين وأجداد من أحبار اليهود، ثم بدل والداه دينهما إلى النصرانية البروتستانتية في طفولته، وهما من الطبقة المتوسطة وأبوه محام مشهور محب للديموقراطية.

 التحق ماركس بكلية الحقوق في جامعة (بون)، وتأثر بالفلسفة الهيجلية كثيرا، ثم خالفها واعتبرها فلسفة مقلوبة لأنها اعتمدت على الروح في التفسير التاريخي لمراحل التطور، وهو يرى أن المادة هي أساس هذا التطور.

-شارك كارل ماركس في النشاطات السياسية داخل الجامعة وخارجها كذلك، وشارك في العمل الصحفي وأصدر جريدة (الراين)، ثم صادرتها السلطات الألمانية لمعاداتها للنظام وتطرفها.

بعد ذلك نفي بسبب نشاطه السياسي فسافر إلى فرنسا وقابل (فريدرك إنجلز) (1820-1895 م)، وهو فيلسوف ألماني اشتراكي ورجل أعمال عمل كرئيس لأحد مصانع إنجلترا، فأطلعه على الظروف القاسية التي يعيش تحتها عمال المصانع في إنجلترا.

ثم عام (1848 م) أصدرا سويا (المينفستو) أو (البيان الشيوعي) والفكرية المحورية لهذا المؤلَّف هو القول بدكتاتورية البروليتاريا من خلال دراسة الصراع الطبقي بين (البرولتاريا) من خلال دراسة الصراع الطبقي بين البرولتاريا والبرجوازية ومن خلال تحليل النظام الرأسمالي، وتنادي الطبقة الرأسمالية المستغلة، واتخذ شعار (يا عمال العالم اتحدوا).

استقر ماركس بعدها في لندن وتزوج هناك وعاش عيشة الفقر حيث كان الداعم المادي له صديقه (إنجلز)، وحضر في هذا الوقت رسالة الدكتوراه عن فلسفة (أبيقور)، وهو يعد الوحيد من القدماء الذي عمل على تنوير العقل.

ثم ألف كتابه الشهير (رأس المال) الذي ترجم إلى عدة لغات في العالم، وظلت أفكار ماركس تنتشر حتى الثورة الروسية (1917 م) بقيادة (فلاديمير لينين) (1870- 1924 م)، وهو مؤسس الحزب الشيوعي في روسيا، ووضع أفكار ومبادئ ماركس في التطبيق العملي على أرض الواقع وأضاف إلى هذه النظريات أفكارا جديدة مادية تسمى ب(الديالكتيكية)، وتعني تطبيق المادية في الفلسفة الطبيعية، فأصبحت النظرية تسمى باسم الماركسية اللينينية، ثم انتشرت هذه الفلسفة في أوروبا الشرقية ودول العالم الثالث.

 

النظرة التحليلية لكتاب رأس المال:

أهم كتب كارل ماركس:

-نقد الاقتصاد السياسي

-بؤس الفلسفة

-العائلة المقدسة

-أيدولوجيا ألمانيا (بالاشتراك مع إنجلز)

ويهاجم في هذه الكتب التصورية الروحية والأساس الروحي عند هيجل ويفسر تفسيره المادي الجديد للتاريخ وعوامل نشأة الرأس مالية وكيف أنها تحوي سبب انهيارها في داخلها، وتكلم عن البروليتاريا ودورها في السيطرة على وسائل الإنتاج.

 

وفي كتب رأس المال تكلم ماركس عن أربع قضايا رئيسة وهي:

1-           القيمة الحقيقية لكل سلعة تساوي قيمة العمل المتحقق فيها والجهد المبذول لتصنيعها وهو المصدر الوحيد لهذه القيمة، وهذه نظرية قدرها (ريكاردو) قبله عام 1817م.

2-           نظرية فائض القيمة:

وتعني أن صاحب المصنع الرأسمالي لا يعطي العامل من أجره مقابل جهده إلا النزر اليسير وفائض القيمة يستحوذ عليها، ويؤدي هذا على استغلال العمال أسوأ استغلال والتحكم في مصيره وقد يؤدي إلى فصله من العمل حسب قانون السوق.

كان ماركس يرى قسوة النظام الرأسمالي في إنجلترا في ذلك الوقت والذي كان على درجة كبيرة من التسلط وتشغيل النساء والأطفال ساعات طويلة في ظروف عمل سيئة.

3-           تزداد قوة الطبقة الرأسمالية وتزداد قوة الصراع ويزداد التنافس للسيطرة على السوق بين طبقة العمال الضعفاء والطبقة المستغِلة وتزيد قاعدة الطبقة المحرومة بسبب توفر قوى الإنتاج الآلي.

4-           يتنبأ ماركس بوقوع ثورة على الرأسمالية من قبل العمال وينتهي هذا الصراع الطبقي بفوز العمال، وعليهم للوصول لذلك أن يكونوا نقابات منظمة وتنتزع من الرأسمالية وسائل الإنتاج وتكون (الحزب الواحد) وهو طليعة الطبقة المثقفة الثورية وسيتم القضاء على أسباب التفاوت الطبقي وتظهر علاقة إنتاجية جديدة وتكون هذه العلاقة بتملك الدولة وسائل الإنتاج للقضاء على الرأسمالية وقيام حزب عمالي يمثل طبقة (البروليتاريا) العاملة وهي التي تسير أمور الدولة.

 


المادية التاريخية الجدلية:

-نظر ماركس إلى الفلسفة الهيجيلية أنها يغلب عليها الطابع التأملي النظري في حين أن الفلسفة يجب عليها تغيير الواقع وألا تكتفي بتفسيره ورفض الأساس الروحي واستبداله بالمادة.

-كما أن نظريته ترى ان الوجود الموضوعي للمادة مختلف عن الوعي الإنساني ومرتبط بالحركة والزمان والمكان، وهذه فلسفة مادية تعني في مدلولها الفلسفي (جوهر العالم والعنصر الرئيس هو المادة الأشاء كما هي في الحياة نظرا إلى وجودها الواقعي الحقيقي لا التصوري من خلال الأفكار التي يكونها عنها، وهو ينكر وجود أي قوة روحية تقف وراء العالم أو تشارك في اتطور فهي نزعة مادية خالصة تنكر وجود الله ﷻ وبالتالي تنكر اليوم الآخر وتنكر الأديان جملة، واعتبر كل دين يعد الناس بعالم آخر هو (أفيون الشعوب) لأنه يؤدي إلى تقاعسهم وتثبيط هممهم.

-فلسفة ماركس فلسفة تاريخية، لأن الأشياء موجودة تاريخيا وما ينطبق عليها ينطبق على المجتمعات وبذلك فإننا إذا أردنا فهم مجتمع ما فإن علينا تتبع تاريخه نشأته ونموه وتقدمه وانهياره، مع الاعتبار بتطور وسائل الإنتاج من خلال نشاط الإنسان وجهوده.

وأول من أكد حقيقة الصراع والتغيير في الوجود هو (هيرقليطس) 500ق.م، ففي هذه المسألة تأثرت فسلفة ماركس بآرائه.

-مفهوم الجدل: اختلف مفهوم الجدل تبعا لاستخدامه باختلاف العصر، فعند (سقراط) هو الحوار، وعند (أفلاطون) فهو انتقال العقل بواسطة الفكر من عالم المحسوس المتغير إلى عالم المعقول الثابت. ولا جدل دون أضداد وذلك واضح عند (هيرقليطس)، أما (هيجل) فقد حاول التوفيق بين هذه الأضداد في وحدة جديدة والجدل عنده مقسم إلى ثلاث مراحل: الإثبات والنفي والتأليف بين القضية ونقيضها.

وأخذ الجدل عند ماركس بعدا أوسع، فقد رأى أن الفكرة انعكاس للعالم المادي لأن الوجود يسبق الفكر، والوعي نتاج للوجود الاجتماعي.

قوانين الجدل عند ماركس:

1-قانون وحدة الأضداد وصراعها:

وفي هذا القانون يظهر تحليل مارس العياني الملموس وهو أن الأضداد تتصارع في الحياة، فالمادة الواحدة تتحرك وتتغير تبعلا للتفاعلات الباطنية فيها، وما نراه في الطبيعة عامة ينطبق على المجتمع مثل الصراع بين البرجوازية والبروليتاريا بسبب التناقض في المصالح، وهذا يعني استمرار الصراع حتى تتغلب طبقة على الأخرى.

2-تحول الكم إلى الكيف:

تطور المادة يكون على شكل تراكمات كمية وفي مستوى أو درجة محددة تتبدل إلى تغيرات كيفية جديدة، ومثل ذلك زيادة كمية النقد أو المال في أيدي مالك السلع، فحين تبلغ حدا معينا سيستدعي ذلك نمو القوى المنتجة وتغيرا في طابع العلاقات الإنتاجية القائمة.

3-قانون نفي النفي:

ويقتضي أن النفي هو تأليف بين قضيتين، فالتغيير الذي يطرأ مجتمع ما لا ينبذ القديم بل يولف بين القديم والحديث. ومثال ذلك تحول الملكية الخاصة إلى ملكية رأسمالية، فهذا يعد نفيا.

4-الجدلية المادية:

كما سلف الذكر أن نظرية هيجل تنص على أن لكل قضية إنسانية ما يعارضها، والحقيقة الكاملة موجودة في التأليف بين القضية وضدها، وهذا التأليف يشكل قضية جديدة ويظهر تناقض جديد ثم يتم التأليف بيت هذه القضايا وهكذا.

أخذ ماركس هذا المفهوم وملأه بالمضامين المادية، ونص على أن العامل المادي يعني الاقتصادي.

وكلما تطورت وسائل الإنتاج تطورت المجتمعات، وهذه حتمية تاريخية ليس للإنسان أي دور فيها سوى الوعي يقوانينها والمساعدة على التعجيل بقيام الثورات.

وترى الجدلية المادية كذلك أن كل المثل العليا وقواعد الدين انعكاس للبنيان التحتي والأساس المادي، فكلما تطور انعكس ذلك على الناحية العقلية والاجتماعية.

والاشتراكية تعني أن لكل عامل أجر مقابل عمله وجهده، أما المبدأ الشيوعي فكل عامل يعمل حسب طاقته لكنه يكسب كل ما يحتاج.

ومن خصائص هذه المرحلة:

-اختفاء الطبقية.

-القضاء على فوضى الإنتاج.

-إنهاء التعارض بين المدينة والريف والعمل والعمل المادي والفكري.

-تلاشي سلطة الدولة.

 


الأخلاق في الفلسفة الماركسية:

هناك قراءتين في مجال علم الأخلاق، الأولى تقرر أن الأخلاق علم معياري، والقيم مطلقة ثابتة لا تتغير بتغير الزمان والمكان، والاتجاه الثاني أنه علم وصفي أي أن الأخلاق نسبية متغيرة تبعا للزمن والمكان.

ورأي الفلسفة الماركسية فخالفت الاتجاهين رغم اتفاقها مع الأخير في عدة نقاط، وكما سلف فقد أنكرت وجود روح شاركت في تكوين الكون وتطوير، والعامل الاقتصادي هو السبب الأساسي الوحيد في تطوير المجتمعات، ولم ترد القيم الخلقية إلى الدين لأنها أنكرت الدين أصلا، وبهذا تذهب إلى أن الأخلاق تتغير حسب تطور المجتمعات ومن طبقة إلى طبقة لأن العامل الاقتصادي هو الذي يشكل كل طبقة، والأخلاق الحقيقية هي أخلاق طبقة البروليتاريا التي نظر لها.


نقد وتعقيب:

استطاعت الفلسفة الماركسية أن تفتن عقول الشباب فعلا، وأن تحول الفلسفة إلى واقع وتمزج بين النظرية والتطبيق، وردت الفلسفة الماركسية فكرة أن الوجود إلى الفكر وعدت الذات هي محور الوجود، فجعلت القيم والمبادئ انعكاس للوجود المادي، وأثر في معظم التيارات المعاصرة مثل الوجودية والوضعية المنطقية.

عام (1989 م) انهارت الماركسية الفلسفية والمادية الاقتصادية، والعمال أنفسهم من قام بهذه الثورة في كل الدول الشيوعية وأهمها روسيا.

الخطأ الذي وقعت فيه هذه الفلسفة هو القول بأن الدين يتناقض مع العقلانية، فالدين يشكل دافعية للتطور وهو الذي يميز الإنسان عن الحيوان خصوصا الدين الإسلامي.

 

والخطأ الثاني هو اعتبار العامل الاقتصادي هو السبب الوحيد في تطور المجتمعات، فهناك أسباب كثيرة أخرى (دينية- سياسية- ثقافية- اجتماعية). فالإنسان عندما يتعامل بالضمير وينظر إلى المبادئ والقيم تتحرك المجتمعات أيضا.

وكما أن الآداب والفنون والوعي والقيم هي التي ترقي الأذواق وتؤثر في المادة وليس العكس، وتطور الإنتاجية لا يعتمد على المادة فقط، بل يعتمد كذلك على الاختراعات والاكتشافات التي ساهمت في تحسين الإنتاجية، وقول ماركس كذلك بالحتمية التاريخية لتطور المجتمعات لا يتوافق مع إرادة تغيير الشعوب.

أثبت حيثا أن تقييم السلعة لا يعتمد على جهد العامل بل هناك نوعية وجودة العمل، ومشاركة التقنيين، والخام، وقدرة الآلة وغيرها.

وكذلك فإن إعلاء شأن البروليتاريا بحجة أنها صاحبة الحق غير مقبول لأن كل الطبقات شركاء في بناء المجتمع، وكذلك فإن دكتاتورية العمال وهيمنتهم على الدولة أدى إلى تقويض حرية الفرد فعانى من الكبت والاغتراب.

كما أن الثورات قامت في الطبقات الزراعية الأقل تقدما، على عكس توقع ماركس الذي ظن بأنها ستقوم داخل المجتمعات الصناعية، كما أن وجود الطبقات أمر ضروري في كل مجتمع، مع ضرورة العدل ف"ليس هناك ظلم في تفاوت الحقوق" كما قال (نتشة).


تم بحمد الله وتوفيقه 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

كتب ينصح بها لطلبة العلوم الشرعية